المسارات العسكرية للثورة العربية في شرق الأردن

شكل شرق الأردن المنطقة الأولى والأهم في انطلاق الجيوش العربية نحو الشمال والزحف لتحقيق الطموح العربي بدخول دمشق ورفع راية الثورة فيها وإعلان الدولة العربية المستقلة.

وكان التخطيط الأول لتنفيذ العمليات المقبلة، هو دعوة أهل الشام وعشائر البادية الأردنية ممثلة بقياداتها العشائرية للحضور إلى منطقة الوجه، والتي فيها بدأ التخطيط لتنفيذ عملية السيطرة على العقبة التي تميزت بعنصر المفاجأة فيها، بسبب أن الأتراك كانوا يتوقعون الهجوم من جهة البحر والساحل ولم يتوقعوا أن الهجوم سيأتي من جهة الشمال ومن وادي اليتم.

 تحرير العقبة

وضع الأمير فيصل والشريف ناصر بن علي والشيخ عودة أبو تايه، الذي وصف بأنه "قبيلة في رجل"، خطة السيطرة على العقبة، حيث انطلقت الحملة بقيادة الشريف ناصر بن علي في 9 أيار1917م من منطقة الوجه، مودعا فيصل على أمل اللقاء في العقبة، ورافق الشريف ناصـر وعودة أبو تايه في هذه الحملة التي يقدر عدد أفرادها بـ 45 رجلا كل من:

عودة بن مطلق أبو تايه، وزعل بن مطلق أبو تايه، وعوده بن زعل أبو تايه، ونسيب البكري، للاتصال مع أهالي الدروز وسوريا، والرئيس زكي الدروبي، وناصر بن دغيثر.

وانطلقت الحملة واتجهت من منطقة الوجه لتقطع خط سكة الحديد ما بين تبوك شمالا ومدائن صالح جنوبا، ولتنفذ أول عملياتها التدميرية بنزع قضبان سكة الحديد وتدمر بعض العبارات وقطع خطوط التلغراف، والانتقال إلى منطقة العيساوية، حيث تم فيها الإجراءات التالية:

1- انطلق عودة أبو تايه إلى منطقة الجوف للتنسيق مع الشيخ نوري بن شعلان بخصوص دعم الثورة.

2- طلب عودة أبو تايه من جماعته من جميع الأفخاذ الالتقاء في منطقة النبك.

3- تحرك الشريف ناصر بن علي، قائد الحملة، إلى النبك حيث انفصل عن عودة أبو تايه في العيساوية، وبدأ ناصر بن علي بتنظيم القوات العسكرية.

 أما في النبك، اجتمع أبو تايه مع نوري بن شعلان، وأسفر هذا الاجتماع عن إلتحاق 500 متطوع جديد مع قوات الثورة العربية، وغادر نسيب البكري وزكي الدروبي النبك متجهين شمالا للتنسيق والتمهيد لقوات العرب الزاحفة من الجنوب.

ومن المناطق التي دخلتها قوات الثورة العربية، باير والجفر وغدير الحاج، التي شهدت أول معركة فوق الأرض الأردنية عام 1917م، وكثارة وأبو اللسن والقويرة.

وكانت الخرائب وبقايا الآثار والعمران مراكز للقوات العسكرية التركية التي كانت تتمركز في هذه المواقع، وتسيطر على الشواطئ، وتمنع حدوث أي إنزال بحري، وقد وصل العرب إلى هذه المواقع في 5 تموز1917م وحاصروها، وقاوم الأتراك إلى أن استسلموا في صباح 6 تموز 1917م، وبينهم ألمان ونمساويون، وبالتالي انكشفت القوات التركية المتواجدة حول قلعة العقبة.

 أهمية تحرير العقبة

مثّل تحرير العرب للعقبة إحراجاً عسكرياً وسياسياً للقيادة التركية الألمانية المشتركة، فقد نجحت عمليات القوات العربية في شرق الأردن، ليس فقط في تجميد القوات التركية المتواجدة في إقليمي الحجاز وشرقي الأردن، بل إلى سحب قسم من قواتها من فلسطين لتعزيز موقفها العسكري في شرق الأردن مثل تعزيز حامية معان، ومحاولتها استعادة الطفيلة.

سياسياً، كان تحرير العقبة تجسيداً واقعياً ملموساً للثورة العربية، وقاعدة لتقويض السلطة التركية في سوريا، فالخوف الذي تملّك الأتراك من وصول العرب إلى العقبة تمثل في التفاف عشرة ملايين عربي حول الثورة.

وأعيد تنظيم وتشكيل القوات العربية بعد السيطرة على العقبة التي انتقل إليها الأمير فيصل في آب 1917م بموافقة الشريف، فأصبحت تتألف من قوتين: نظامية، وغير نظامية، إضافة إلى البعثتين الإنجليزية والفرنسية. وتألفت القوة النظامية من المقاتلين العرب الذين سبق لهم الخدمة في الجيش التركي، فيما تألفت القوة غير النظامية من متطوعي القبائل العربية في الحجاز وسوريا وشرق الأردن.

إن ما احرزته القوات العربية من نجاحات خلال عام على القوات التركية المتواجدة، والتي كانت متفوقة عددا وعدة وعتادا وتدريباً وإدارة، فاق ما أحرزته القوات البريطانية على القوات التركية، وهذا يعني أن العبرة ليست في العدد أو العتاد أو التدريب أو التجهيزات أو الإدارة، إنما في الإرادة والتصميم والرغبة في التحرر من الظلم والطغيان، لا سيما وأن القوات العربية كانت تقاتل في وسط عربي يعطف عليها ويساندها، وإذا كان من السهل مقاتلة جيش إلا أنه من الصعب مقاتلة شعب بأكمله.

أهمية العقبة تاريخيا وجغرافيا

برزت أهمية العقبة خلال أحداث الثورة العربية الكبرى، وكان الدخول العربي إليها في 6 تموز 1917م بمثابة الانعطاف التاريخي المهم الذي أعطى الثورة العربية الكبرى بعدا جديدا.

وبعد السيطرة على خط وهيدة – المريغة – أبو اللسن – رأس النقب شمالا، قام الشريف ناصر بتأمين خط دفاعي جديد يتمثل بموقع أم نصيلة تل المقص– بئر الخضراء – كثاره خلف موقع العقبة بمسافة تراوحت بين 10-15 كلم وبجبهة امتدادها من الشمال إلى الجنوب تقريباً 15 كلم.

وتعد العقبة نهاية المسار الأول للثورة العربية الكبرى في الأردن، وهو المسار الأهم لأن احتلال العقبة من قبل القوات العربية القليلة العدد والبسيطة التسليح جعل الحلفاء ينظرون بطريقة مختلفة للقوات العربية، ولكن الأهم أن تحرير العقبة أظهر القدرات العربية والتصميم العربي، ونقل العقلية العربية إلى مستوى جديد من التحدي.

وترجع أهمية العقبة تاريخيا وجغرافيا لكونها على رأس البحر الأحمر من جهة الشمال وآخر ميناء قبل الاتصال بالبر الشامي، ومنطقة مفصل بين أقاليم صحراوية ثلاثة هي سيناء وبادية الشام ووادي عربة، وتستطيع القوافل الحركة منها بيسر إلى مصر غرباً والحجاز جنوباً وإلى طبريا شمالاً وشرقا إلى معان وتبوك، وموقعها المسيطر على مداخل وادي عربة ووادي اليتم وهما منفذان لبلاد الشام.

أدوار الحرب في شرق الأردن

يمكن تقسيم الحرب في شرق الأردن إلى الأدوار التالية:

1- معارك العقبة – وادي موسى تموز 1917 – كانون ثاني 1918م.

على أثر تحرير العرب للعقبة سارع قائد حامية معان إلى إغلاق محاور التقدم العربي نحو معان حيث نجح في تحرير أبو اللسن، ودلاغة، بينما فشلت محاولته للتقدم من الشوبك ومعان للسيطرة على وادي موسى.

وكما فشل هجوم الأتراك على وادي موسى، فشل هجومهم على القويرة في تشرين ثاني 1917م، أعقب ذلك هجمات عربية على سكة الحديد وتمكن العرب من نقل قيادة الجيش العربي من العقبة إلى القويرة.