هوجمت جدة في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الثورة في مكة، واضطرت حاميتها إلى الاستسلام في 16 حزيران 1916م، بقيادة نوري السعيد، مثلما أصبحت رابغ قاعدة تموين وإدارة ومركز تدريب للقوات النظامية العربية، خاصة من الضباط والجنود العرب الذين كانوا في الجيش العثماني والتحقوا بصفوف الثورة العربية.

حررت القوات العربية موانئ القنفذة والليث في 15 آب 1916م، في نفس الوقت الذي حرر فيه الشريف ناصر بن علي ميناء أملج شمال جدة.

أما الطائف، فقد توجه إليها الأمير عبدالله، وفرض عليها الحصار، ورغم تزويده بالمدافع الجبلية والسلاح والذخيرة إلا أنه فضل استسلامها على فتحها عنوة، وكان حكيما في ذلك، ورفض الاستجابة لدعوات عقد الهدنة إلى أن اضطر غالب باشا، والي الحجاز، وقائد عام القوات التركية فيه إلى الاستسلام في 22 أيلول 1916م.

وباستسلام الطائف تكون الثورة وطدت نفسها، ووقع في حوزتها 6 آلاف أسير وغنمت كثيرا من المواد الحربية، وأصبحت مدن الحجاز الرئيسية ما عدا المدينة بيد العرب، وسيطروا على موانئه من القنفذة جنوبا حتى أملج شمالا مرورا بالليث، وجدة، ورابغ، وينبع.

هجوم الأتراك المضاد وإعلان استقلال الحجاز:

تعتبر الشهور الثلاث التي أعقبت احتلال الطائف من أهم الفترات في تاريخ الثورة العربية، فقد قرر فخري باشا، قائد القوات التركية في المدينة، الهجوم على مكة ودحر العرب من ينبع ورابغ، وتعزيز القوات التركية في الحجاز بقوات إضافية من الجيش الرابع في سوريا، وتقدمت القوات التركية في تشرين أول بثلاثة أرتال في هجوم مضاد على النحو التالي:

* رتل تقدم على طريق المدينة ينبع النخل باتجاه ينبع البحر.

* رتل ثان على الطريق التاريخي، المدينة – بدر – حنين- رابغ.

* رتل ثالث، تقدم نحو مكة سالكا طريق المدينة – رابغ متجها إلى هجر.

كيف واجه العرب هذا الموقف؟

كلف الشريف الحسين، الأمير عبدالله بمقابلة الوفد الإنجليزي برئاسة رونالدستورس في جدة يرافقه الكابتن لورنس وبحضور الممثل الفرنسي، ونجح الأمير في إقناعهم بمواصلة دعم الحلفاء للثورة عندما هدد بانسحاب العرب من الحرب وتوقيع الصلح مع الأتراك، وقرن الأمير عبدالله هذا النجاح الدبلوماسي بنجاح آخر لا يقل أهمية، بل يعتبر حجر الزاوية في استمرار الثورة ونجاحها، ونعني به إعلان استقلال الحجاز ومبايعة الشريف الحسين ملكا على العرب.

مؤتمر رابغ العسكري تشرين ثاني 1916م

بإعلان استقلال البلاد العربية، ومبايعة الشريف الحسين بن علي ملكا على العرب، واجهت الثورة اجراءات الدولة العثمانية بعزل الشريف الحسين من منصبه كأمير لمكة وشريف على الحجاز من ناحية، وتردد بريطانيا في مساندتها للثورة من ناحية ثانية، ولمواجهة تهديدات فخري باشا العسكرية، وبخاصة تقدمه نحو رابغ، أعيد تنظيم وتشكيل قوات الثورة على النحو التالي:

القائد الأعلى الشريف الحسين ومقره مكة، القائد العام ورئيس الأركان المقدم عزيز على المصري أيلول 1916م، ثم جعفر العسكري كانون أول 1916م، في حين قسمت قوات الثورة إلى ثلاثة جيوش وهي:

* الجيش الشمالي ومقره ينبع وإسندت قيادته للأمير فيصل يساعد كل من مولود مخلص، ورسام سردست، وأحمد مصلح، ويتألف من لواء مشاه نظامي وأربع سرايا مدفعية وقوات قبلية.

* الجيش الجنوبي ومقره رابغ وإسندت قيادته للأمير علي ويساعده نوري السعيد، ويتألف من كتيبتي مشاة وكتيبة بغالة وكتيبة هجانة وأربع سرايا مدفعية وسرية هندسة وقوات قبلية.

* الجيش الشرقي ومقره وادي العيص، شمال غرب المدينة، وإسندت قيادته للأمير عبدالله يساعده الشريف شاكر بن زيد، ويتألف من كتيبتي هجانه وسرية خيالة وسرية مدفعية جبلية وقوات قبلية.

وعقد مؤتمر عسكري في رابغ 16 تشرين ثاني 1916م، تقرر فيه الدفاع عن رابغ باعتبارها مفتاح الطريق إلى مكة من ناحية، وقاعدة عمليات للجيوش العربية الثلاث من ناحية ثانية.

ولكي يخفف فخري باشا ضغطه على قوات الأميرين علي وفيصل في ينبع ورابغ، أرسل الأمير عبدالله في تشرين ثاني 1916م، وهو في طريقه إلى الحناكية بـ 500 هجان إلى هجر لطرد حسين بن مبيريك منها، كما أرسل قوة مماثلة إلى المدينة للإغارة على مخافر الأتراك في جبل أحد، وكلفها بإيقاذ النيران في المرتفعات وأسر كل خارج منها، وإعادته إليها "أي المدينة"، كي يقوموا بإبلاغ أهلها وغيرهم من رجال القبائل.

تجمعت قوات الأمير عبدالله في الحناكية، وقبل عبوره خط سكة الحديد بين محطتي هدية وأبا النعم، اصطدم بقوة تركية وتغلب عليها وأسر قائدها، وكتب إلى فخري باشا يخبره بما حدث قائلا: "إن الحرب انتقلت الآن ما بين الشام والمدينة".

أمام هذا الموقف الجديد بالنسبة للمدينة، ونظرا لمهاجمة الطائرات البريطانية لفخري باشا في منطقة رابغ اضطر فخري إلى التراجع من ينبع النخل، ووادي الصفراء ، ومن بير سعيد إلى بير درويش، كما تراجع جناحه الأيمن الذي يعمل ضد فيصل إلى آبار علي وهكذا انتهى تهديده لمكة.