إن الوعي القومي العربي في تطوره خلال الفترة السابقة لم يخلو من الدعوة إلى قيام دولة عربية مستقلة، بصرف النظر عن إطارها الجغرافي، برئاسة أحد أشراف مكة.

وترجع أقدم دعوة، في هذا المجال، إلى عام 1858م، فقد جاء في رسالة القنصل البريطاني في حلب إلى السفير البريطاني في استانبول في 31 تموز 1858م قوله "يظهر أن السكان في شمال سوريا تدغدغ أفئدتهم أحلام جميلة بالانفصال عن الإمبراطورية العثمانية وإقامة دولة عربية برئاسة شريف من أشراف مكة".

وكان شريف مكة، في هذا الوقت بالذات، الشريف محمد بن عبدالمعين بن عون، مؤسس فرع ذوي عون من الأشراف الهاشميين، وهو جد الشريف الحسين بن علي، وتولى منصب الشرافة في الفترة ما بين 1827-1851م، وعزل ونفي إلى استانبول خوفا من زيادة نفوذه، ثم أعيد إلى منصبه في الفترة ما بين 1856-1858م، وخلال نفيه ولد لابنه علي عام 1853م ولد أسماه الحسين.

تكررت الدعوة لرئاسة أشراف مكة لحركة الاستقلال العربي في عدة مناسبات، فقد دعا عبدالرحمن الكواكبي في كتابه "أم القرى" إلى عقد مؤتمر في مكة عام 1898م - 1316هـ برئاسة أحد رجال مكة لتدارس أحوال المسلمين ووضع وسائل نهضتهم، مؤكداً على المكانة التي يجب أن يحتلها العرب في الإسلام بفضل لغتهم وشرف نسبهم قائلا "إن عرب الجزيرة هم المؤهلون لإعادة مجد الإسلام لأن العناية الآلهية حمتهم من الفساد الخلقي الذي أصاب الأتراك"، و"إن العرب أنسب الأقوام لأن يكونوا مرجعا في الدين وقوة للمسلمين، ولذا لا يجوز الاتكال على العثمانيين في أمر الخلافة".

كذلك، دعا نجيب عازوري في كتابه "يقظة الأمة العربية"، الذي نشره بالفرنسية عام 1905م، العرب إلى الانفصال عن الشجرة العثمانية ليكونوا دولة مستقلة بذاتهم تمتد حدودها من وادي دجلة والفرات إلى السويس، ومن البحر المتوسط إلى بحر عُمان على أن تكون دولة ملكية حرة دستورية على رأسها سلطان عربي.

إن الثورة العربية كما هو واضح استمدت أصولها من مصدرين:

الأول: الوعي القومي العربي ممثلا في حق العرب في أن تكون لهم دولتهم المستقلة الخاصة بهم.

الثاني: مرتبط بالأول ومتفرع عنه، وهو سوء الإدارة العثمانية، وبخاصة في الفترة التي سبقت الحرب وأعقبت دخول تركيا لها مباشرة إلى جانب ألمانيا إلى درجة يمكن معها القول إن طموحات العرب في الاستقلال والانفصال عن الدولة العثمانية كانت تتناسب طرديا وسياسة الإرهاب والقمع العثماني.